درس فـرنســـا : قوة فلاحية وصناعية كبرى في الإتحاد الأوربي

مقدمة:
إذا كانت فرنسا - التي تبلغ مساحتها 346469 كلم²، وتعداد سكانها حوالي 44 مليون نسمة - قد ساهمت منذ سنة 7341م إلى
جانب دول أوربية أخرى في تأسيس »السوق األوربية المشتركة«، فإنها اليوم تعد قوة فالحية وصناعية كبرى داخل »االتحاد
األوربي«. فما هي مظاهر قوة هذين القطاعين؟ وما العوامل التي ساهمت في ذلك؟ وما التحديات التي الزالت تواجههما؟
.I مظاهر قوة الفالحة الفرنسية والعوامل المفسرة لها:
-1مظاهر قوة الفالحة الفرنسية:
تشكل الفالحة الفرنسية قطاعا اقتصاديا مهما على مستوى االتحاد األوربي، بالرغم من ضعف مساهمتها في الناتج الداخلي )%9
سنة 4006م(، ويظهر ذلك في:
-ضخامة وتنوع اإلنتاج الفالحي إذ تعتبر فرنسا أول منتج فالحي في االتحاد األوربي بنسبة %49.
-تصدر اإلنتاج الفالحي الفرنسي للمراتب األولى على المستوى األوربي في عدة منتجات، مثل: القمح، الذرة، الشمندر السكري،
الكروم ولحوم األبقار.
-ارتفاع مردودية تربية المواشي حيث تساهم تقريبا بنصف مداخيل الفالحة، وخاصة تربية األبقار والخنازير واألغنام )توفير
إنتاج هام من اللحوم واأللبان.(
-تنوع اإلنتاج وتخصص المجاالت: حوض باريس وسهل الشمال )الحبوب والشمندر(، الهضبة الوسطى )تربية الماشية(، منطقتي
النكدوك والكامارك )الذرة واألرز(، منطقة بوركوني وشامباني )الكروم(، أما في األودية وقرب المدن الكبرى فتوجد زراعة
الخضر والفواكه.
-احتالل فرنسا للمراتب األولى أوربيا وعالميا على مستوى الصادرات.
-2العوامل المفسرة لقوة الفالحة الفرنسية:
تفسر قوة الفالحة الفرنسية بمجموعة من العوامل، نلخصها في ما يلي:
 * العامل الطبيعي: ويتمثل في:
-شساعة السهول )سهل الشمال واأللزاس والرون...( واألحواض )حوض باريس واألكيتان..( ذات التربات الخصبة.
-اعتدال وتنوع المناخ: مناخ محيطي )في الغرب(، مناخ متوسطي )في الجنوب(، مناخ جبلي )في المرتفعات( ومناخ شبه محيطي
وقاري )في معظم البالد.(
-أهمية التساقطات ووجود شبكة مائية هامة تتمثل في مجموعة من األنهار: الرون، الكارون، اللوار، السين...
 * العامل التقني والعلمي:
يتجلى هذا العامل في كون الفالحة الفرنسية تشهد تحديثا متزايدا باستعمال المكننة ومختلف األساليب العلمية في جميع مراحل
اإلنتاج، إضافة إلى وجود معاهد البحث العلمي في المجال الفالحي مثل "المعهد الوطني للبحث الزراعي.(INRA) "
 * العامل التنظيمي :ويتمثل في تدخل الدولة من أجل:
-حل المشكل العقاري بتوسيع المستغالت وتركيزها )أصبح متوسط االستغالليات حوالي 10 هكتار.(
-تأطير الفالحين ومساعدتهم وتشجيعهم على إنشاء التعاونيات.
-تجهيز البوادي واستصالح وتجفيف المستنقعات.
 * العامل الرأسمالي:
يتجلى دخول الفالحة الفرنسية في عالقات رأسمالية مع قطاعات اقتصادية متعددة كالخدمات، والصناعة الغذائية والكيماوية
والميكانيكية، والتجارة، إضافة إلى اهتمام المؤسسات الكبرى والعائالت بالنشاط الفالحي ضمن التركيز الفالحي. كما تستفيد
الفالحة الفرنسية من دعم االتحاد األوربي في إطار السياسة الفالحية المشتركة.(PAC)
II مظاهر قوة الصناعة الفرنسية والعوامل المفسرة لها:
-1مظاهر قوة الصناعة الفرنسية:
تعتبر الصناعة من األنشطة االقتصادية األساسية في بنية االقتصاد الفرنسي ، وتتجلى قوة هذا القطاع فيما يلي:
-تنوع الصناعة الفرنسية وانتظامها في أقطاب ومناطق صناعية حيوية، مع اتجاه المناطق الصناعية القديمة نحو التحديث كما هو
الحال في ليون ودانكيرك...
-احتالل فرنسا للمراتب األولى في العديد من المنتجات الصناعية مثل الصلب والكهرباء...
-وجود مقاوالت وشركات صناعية مهمة - من حيث قيمة استثماراتها في قطاعات صناعية متعددة وتشغيلها لنسبة كبيرة من
السكان النشيطين - تحول العديد منها إلى شركات متعددة الجنسيات لها مكانتها على المستوى األوربي والعالمي.
-وجود مناطق وأقطاب صناعية حيوية – تكنوبول - كمنطقة باريس ومنطقة الشمال والشمال الشرقي.
-أهمية مساهمة الصناعة في الناتج الداخلي )%7931( وفي المبادالت التجارية )%139( ونسبة تشغيلها للساكنة النشيطة
)%46361(. إضافة إلى احتاللها للمرتبة الثانية بعد ألمانيا من حيث القيمة المضافة بحوالي 400 مليار أورو.
-2العوامل المفسرة لقوة الصناعة الفرنسية:
تتعدد العوامل المفسرة لقوة الصناعة الفرنسية يمكن إجمالها في النقط التالية:
 * العامل الطبيعي:
أمام افتقار لمصادر الطاقة )الفحم والبترول والغاز الطبيعي(، تعمل فرنسا على تغطية استهالكها الداخلي المتزايد للطاقة باالستيراد
من الخارج وبتكثيف إنتاجها من الطاقة الكهربائية والنووية، كما تتوفر فرنسا على بعض المعادن كالحديد واالورانيوم والذهب
والفضة.
 * العامل البشري والبنية التحتية:
يتمثل هذا العامل في:
-أهمية الساكنة النشيطة ضمن بنية السكان حيث تقدر نسبتها بأكثر من %40 في مجتمع يصل تعداد سكانه حوالي 49 مليون
نسمة سنة 4004م.
-أهمية حجم اليد العاملة األجنبية وما تقدمه لالقتصاد الفرنسي على مستوى اإلنتاج واالستهالك.
-توفر البالد على شبكة كثيفة وعصرية من المواصالت )مطارات دولية، موانئ كبرى، طرق سيارة عصرية وسكك حديدية.(...
 * العامل التنظيمي ودور الدولة:
-ساعدت األسس التنظيمية على تقوية الصناعة الفرنسية بتجميع الصناعات في شكل أقطاب تكنولوجية وصناعية، تعمل على
تطوير البحث في ميدان الصناعات العالية التكنولوجيا، ومراكز علمية للتجارب واألبحاث.
-بالرغم من إتباعها نظام رأسمالي، فإن الدولة تتدخل لتنمية وتطوير االقتصاد الفرنسي بوضع مخططات عامة أو جهوية تكتسي
صبغة التوجيه واإلرشاد بالنسبة للقطاع الخاص، والصبغة اإللزامية بالنسبة للقطاع العمومي. كما تدعم القطاع الخاص بالقروض
والمساعدات.
-التجديد التكنولوجي بفضل عامل البحث وما توفره الدولة من نفقات في هذا المجال.
-القيام بتأهيل اليد العاملة وإنشاء الجامعات والمعاهد العليا والمتوسطة ومختبرات البحث التطبيقي.
 * العامل الرأسمالي:
تشهد المؤسسات الصناعية الفرنسية تركيزا رأسماليا في مختلف فروع الصناعة بسبب تجديد الهياكل الصناعية واعتماد
االستثمارات الكبرى في البحث العلمي لمواجهة المؤسسات األجنبية. وبذلك تحولت العديد من المؤسسات إلى شركات متعددة
الجنسية لها مساهمات خارج فرنسا، كما أن الصناعة الفرنسية انفتحت على الرأسمال األجنبي.
.III المشاكل والتحديات التي تواجهها الفالحة والصناعة الفرنسيتين:
-1تواجه الفالحة الفرنسية عدة مشاكل وتحديات:
يمكن تلخيص مشاكل الفالحة الفرنسية في:
-التزايد المستمر ألسعار اآلالت، مقابل استقرار أسعار المنتجات الفالحية.
-وجود فائض في بعض المنتوجات يواجه منافسة في السوق العالمية )الحبوب والسكر والخمور واأللبان(، وما ينجم عن ذلك من
مشاكل انخفاض األسعار...
-تباين االستفادة من التطور الحاصل في الفالحة الفرنسية بين المستغالت الكبرى التي اندمجت في األسواق ، وباقي المستغالت
التي تواجه ارتفاع مصاريف االستثمار والصيانة.
-التدهور البيئي الناتج عن التأثير السلبي لألساليب المتطورة في الميدان الفالحي على البيئة، من حيث تلويثها بالنفايات الناتجة
عن االستعمال المكثف لألسمدة، وكثرة بقايا الحيوانات، واعتماد األعالف المركبة كيماوياً، ونضوب الفرشة المائية بفعل تفاقم
ضخ المياه في المناطق السقوية، إضافة إلى مشاكل بيئية مرتبطة بتعدد الحرائق والفيضانات والتلوث الجوي.
-إضرابات الفالحين ضد "السياسة الفالحية األوربية المشتركة" التي ال تتالءم بعض بنودها مع خصوصيات الفالحة الفرنسية.
-احتجاجات منظمات حماية المستهلكين ضد االستعمال المكثف للتكنولوجيا اإلحيائية في اإلنتاج الزراعي والحيواني.
-قلة اليد العالمة بسبب شيخوخة المجتمع وهجرة السكان النشيطين إلى المدن للعمل في الصناعة والخدمات.
-ضعف مساهمة الفالحة في الناتج الداخلي الخام.
-ضعف نسبة اليد العاملة الفالحية مقارنة مع قطاع الخدمات والصناعة.
-2تعترض الصناعة الفرنسية مجموعة من المشاكل والتحديات:
تتجلى مشاكل وتحديات الصناعة الفرنسية في:
-تزايد حاجات االقتصاد الفرنسي للمواد المعدنية والطاقية وما يشكله ذلك من تكاليف ومن تبعية.
-وجود منافسة قوية من طرف المقاوالت األجنبية أوربية، أمريكية وآسيوية سواء داخل األسواق الفرنسية أو في األسواق
الدولية.
-تفاقم البطالة حيث وصلت سنة 4009م إلى مليونين و 460 ألف عاطل .
-التفاوت الجهوي الواضح من حيث الناتج الداخلي اإلجمالي للفرد بين المناطق الشمالية والمناطق الجنوبية المطلة على البحر
المتوسط ذات الدخل المتوسط والقليل، وبين المناطق األخرى كباريس ذات الدخل المرتفع.
-تراجع بعض الصناعات وتأخر الصناعات اإللكترونية والمعلوماتية .
-ارتباط الصناعات الفرنسية العالية التكنولوجيا بمثيالتها في بلدان أخرى مما يؤثر على تطور واستقاللية هذه الصناعات.
خاتمة:
تعتبر فرنسا قوة فالحية وصناعية كبرى في االتحاد األوربي بالرغم من حدة المشاكل والتحديات التي تواجه اقتصادها